كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



{وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين}..
لقد كانت الهزيمة في أحد، هي أول هزيمة تصدم المسلمين، الذين نصرهم الله ببدر وهم ضعاف قليل؛ فكأنما وقر في نفوسهم أن النصر في كل موقعة هو السنة الكونية. فلما أن صدمتهم أحد، فوجئوا بالابتلاء كأنهم لا ينتظرونه!
ولعله لهذا طال الحديث حول هذه الواقعة في القرآن الكريم. واستطرد السياق يأخذ المسلمين بالتأسية تارة، وبالاستنكار تارة وبالتقرير تارة وبالمثل تارة تربية لنفوسهم وتصحيحاً لتصورهم، وإعداداً لهم. فالطريق أمامهم طويل والتجارب أمامهم شاقة والتكاليف عليهم باهظة والأمر الذي يندبون له عظيم.
والمثل الذي يضربه لهم هنا مثل عام، لا يحدد فيه نبياً ولا يحدد فيه قوماً. إنما يربطهم بموكب الإيمان؛ ويعلمهم أدب المؤمنين؛ ويصور لهم الابتلاء كأنه الأمر المطرد في كل دعوة وفي كل دين؛ ويربطهم بأسلافهم من اتباع الأنبياء؛ ليقرر في حسهم قرابة المؤمنين للمؤمنين؛ ويقر في أخلادهم أن أمر العقيدة كله واحد. وإنهم كتيبة في الجيش الإيماني الكبير:
{وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا}..
.. وكم من نبي قاتلت معه جماعات كثيرة. فما ضعفت نفوسهم لما أصابهم من البلاء والكرب والشدة والجراح. وما ضعفت قواهم عن الاستمرار في الكفاح، وما استسلموا للجزع ولا للأعداء.. فهذا هو شأن المؤمنين المنافحين عن عقيدة ودين..
{والله يحب الصابرين}..
الذين لا تضعف نفوسهم ولا تتضعضع قواهم ولا تلين عزائمهم ولا يستكينون أو يستسلمون.. والتعبير بالحب من الله للصابرين. له وقعه. وله إيحاؤه. فهو الحب الذي يأسو الجراح ويمسح على القرح ويعوض ويربو عن الضر والقرح والكفاح المرير!
وإلى هنا كان السياق قد رسم الصورة الظاهرة لهؤلاء المؤمنين في موقفهم من الشدة والابتلاء. فهو يمضي بعدها ليرسم الصورة الباطنة لنفوسهم ومشاعرهم. صورة الأدب في حق الله وهم يواجهون الهول الذي يذهل النفوس ويقيدها بالخطر الراهق لا تتعداه. ولكنه لا يذهل نفوس المؤمنين عن التوجه إلى الله.. لا لتطلب النصر أول ما تطلب- وهو ما يتبادر عادة إلى النفوس- ولكن لتطلب العفو والمغفرة، ولتعترف بالذنب والخطيئة قبل أن تطلب الثبات والنصر على الأعداء:
{وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}.
إنهم لم يطلبوا نعمة ولا ثراء. بل لم يطلبوا ثواباً ولا جزاء.. لم يطلبوا ثواب الدنيا ولا ثواب الآخرة. لقد كانوا أكثر أدباً مع الله وهم يتوجهون إليه بينما هم يقاتلون في سبيله. فلم يطلبوا منه- سبحانه- إلا غفران الذنوب وتثبيت الأقدام.. والنصر على الكفار. فحتى النصر لا يطلبونه لأنفسهم إنما يطلبونه هزيمة للكفر وعقوبة للكفار.. إنه الأدب اللائق بالمؤمنين في حق الله الكريم.
وهؤلاء الذين لم يطلبوا لأنفسهم شيئاً أعطاهم الله من عنده كل شيء. أعطاهم من عنده كل ما يتمناه طلاب الدنيا وزيادة. وأعطاهم كذلك كل ما يتمناه طلاب الآخرة ويرجونه:
{فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة}..
وشهد لهم- سبحانه- بالإحسان. فقد أحسنوا الأدب وأحسنوا الجهاد وأعلن حبه لهم وهو أكبر من النعمة وأكبر من الثواب:
{والله يحب المحسنين}..
وهكذا تنتهي هذه الفقرة في الاستعراض؛ وقد تضمنت تلك الحقائق الكبيرة في التصور الإسلامي. وقد أدت هذا الدور في تربية الجماعة المسلمة. وقد ادخرت هذا الرصيد للأمة المسلمة في كل جيل..
ثم يمضي السياق خطوة أخرى في استعراض أحداث المعركة؛ واتخاذها محوراً للتعقيبات يتوخى بها تصحيح التصور وتربية الضمائر والتحذير من مزالق الطريق والتنبيه إلى ما يحيط بالجماعة المسلمة من الكيد وما يبيته لها أعداؤها المتربصون:
ولقد كانت الهزيمة في أحد مجالاً لدسائس الكفار والمنافقين واليهود في المدينة. وكانت المدنية لم تخلص بعد للإسلام؛ بل لا يزال المسلمون فيها نبتة غريبة إلى حد كبير. نبتة غريبة أحاطتها بدر بسياج من الرهبة بما كان فيها من النصر الأبلج. فلما كانت الهزيمة في أحد تغير الموقف إلى حد كبير؛ وسنحت الفرصة لهؤلاء الأعداء المتربصين أن يظهروا أحقادهم وأن ينفثوا سمومهم؛ وأن يجدوا في جو الفجائع التي دخلت كل بيت من بيوت المسلمين- وبخاصة بيوت الشهداء ومن أصابتهم الجراح المثخنة- ما يساعد على ترويج الكيد والدس والبلبلة في الأفكار والصفوف.
وفي هذه الفقرة التالية من الاستعراض القرآني الموجه- وهي تمثل جسم المعركة وأضخم مشاهدها- نسمع الله سبحانه يدعو الذين آمنوا ليحذرهم من طاعة الذين كفروا؛ ونسمعه- سبحانه- يعدهم النصر على عدوهم وإلقاء الرعب في قلبه؛ ويذكرهم بالنصر الذي حققه لهم في أول المعركة حسب وعده لهم؛ والذي إنما أضاعوه هم بضعفهم ونزاعهم وخلافهم عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يستحضر مشهد المعركة بشطريه في صورة فائضة بالحيوية والحركة. ثم ما أعقب الهزيمة والفزع من إنزال الطمأنينة في قلوب المؤمنين منهم؛ بينما القلق والحيرة والحسرة تأكل قلوب المنافقين الذين ساء ظنهم بالله سبحانه.
ويكشف لهم كذلك عن جانب من حكمته الخفية وتدبيره اللطيف في سير الأحداث سيرتها تلك مع تقرير حقيقة قدر الله في آجال العباد. ويحذرهم في نهاية هذه الفقرة من ضلال التصورات التي يشيعها الكفار في قضية الموت والاستشهاد. ويردهم إلى حقيقة البعث التي ينتهي إليها الناس.. ماتوا أو قتلوا.. وإلى أنهم مرجوعون إلى الله على كل حال:
{يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غماً بغم لكي لا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غُزًّى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون}..
وحين ننظر في هذه المجموعة من الآيات نظرة فاحصة نجدها قد ضمت جوانحها على حشد ضخم من المشاهد الفائضة بالحيوية ومن الحقائق الكبيرة الأصيلة في التصور الإسلامي وفي الحياة الإنسانية. وفي السنن الكونية.. نجدها تصور المعركة كلها بلمسات سريعة حية متحركة عميقة فلا تدع منها جانباً إلا سجلته تسجيلاً يستجيش المشاعر والخواطر؛ وهي بدون شك أشد حيوية وأشد استحضاراً للمعركة بجوها وملابساتها ووقائعها وبكل الخلجات النفسية والحركات الشعورية المصاحبة لها.
من كل تصوير آخر ورد في روايات السيرة- على طولها وتشعبها- ثم نجدها تضم جوانحها على ذلك الحشد من الحقائق في صورتها الحية الفاعلة في النفوس البانية للتصور الصحيح.
وما من شك أن احتشاد هذه المشاهد كلها وهذه الحقائق كلها في هذا القدر من الألفاظ والعبارات- مع حيويتها وحركتها وإيحائها على هذا النحو- أمر غير معهود في التعبير البشري. يدرك ذلك من يدركون أسرار الأساليب وطاقات الأداء وبخاصة من يعالجون منهم التعبير ويعانون أسرار الأداء!
{يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين}..
لقد انتهز الكفار والمنافقون واليهود في المدينة ما أصاب المسلمين من الهزيمة والقتل والقرح ليثبطوا عزائمهم ويخوفوهم عاقبة السير مع محمد ويصوروا لهم مخاوف القتال وعواقب الاشتباك مع مشركي قريش وحلفائهم.. وجو الهزيمة هو أصلح الأجواء لبلبلة القلوب وخلخلة الصفوف وإشاعة عدم الثقة في القيادة؛ والتشكيك في جدوى الإصرار على المعركة مع الأقوياء؛ وتزيين الانسحاب منها ومسالمة المنتصرين فيها! مع إثارة المواجع الشخصية والألام الفردية؛ وتحويلها كلها لهدم كيان الجماعة ثم لهدم كيان العقيدة ثم للاستسلام للأقوياء الغالبين!
ومن ثم يحذر الله الذين آمنوا أن يطيعوا الذين كفروا. فطاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة وليس فيها ربح ولا منفعة. فيها الانقلاب على الأعقاب إلى الكفر. فالمؤمن إما أن يمضي في طريقه يجاهد الكفر والكفار ويكافح الباطل والمبطلين وإما أن يرتد على عقبيه كافراً- والعياذ بالله- ومحال أن يقف سلبياً بين بين محافظاً على موقفه ومحتفظاً بدينه.. إنه قد يخيل إليه هذا.. يخيل إليه في أعقاب الهزيمة وتحت وطأة الجرح والقرح أنه مستطيع أن ينسحب من المعركة مع الأقوياء الغالبين وأن يسالمهم ويطيعهم وهو مع هذا محتفظ بدينه وعقيدته وإيمانه وكيانه! وهو وهم كبير. فالذي لا يتحرك إلى الأمام في هذا المجال لابد أن يرتد إلى الوراء والذي لا يكافح الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان لابد أن يتخاذل ويتقهقر ويرتد على عقبيه إلى الكفر والشر والضلال والباطل والطغيان! والذي لا تعصمه عقيدته ولا يعصمه إيمانه من طاعة الكافرين والاستماع إليهم والثقة بهم يتنازل- في الحقيقة- عن عقيدته وإيمانه منذ اللحظة الأولى.. إنها الهزيمة الروحية أن يركن صاحب العقيدة إلى أعداء عقيدته وأن يستمع إلى وسوستهم وأن يطيع توجيهاتهم.. الهزيمة بادئ ذي بدء. فلا عاصم له من الهزيمة في النهاية والارتداد على عقبيه إلى الكفر ولو لم يحس في خطواته الأولى أنه في طريقه إلى هذا المصير البائس.. إن المؤمن يجد في عقيدته وفي قيادته غناء عن مشورة أعداء دينه وأعداء قيادته.
فإذا استمع إلى هؤلاء مرة فقد سار في طريق الارتداد على الأعقاب.. حقيقة فطرية وحقيقة واقعية ينبه الله المؤمنين لها ويحذرهم إياها وهو يناديهم باسم الإيمان:
{يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين}..
وأية خسارة بعد خسارة الارتداد على الأعقاب من الإيمان إلى الكفر؟ وأي ربح يتحقق بعد خسارة الإيمان؟
وإذا كان مبعث الميل إلى طاعة الذين كفروا هو رجاء الحماية والنصرة عندهم فهو وهم يضرب السياق صفحا عنه ليذكرهم بحقيقة النصرة والحماية:
{بل الله مولاكم وهو خير الناصرين}.
فهذه هي الجهة التي يطلب المؤمنون عندها الولاية ويطلبون عندها النصرة. ومن كان الله مولاه فما حاجته بولاية أحد من خلقه؟ ومن كان الله ناصره فما حاجته بنصرة أحد من العبيد؟
ثم يمضي السياق يثبت قلوب المسلمين ويبشرهم بإلقاء الرعب في قلوب أعدائهم بسبب إشراكهم بالله ما لم ينزل به سلطاناً ولم يجعل له قوة وقدرة. وذلك فوق عذاب الآخرة المهيأ للظالمين:
{سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين}..
والوعد من الله الجليل القادر القاهر بإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا كفيل بنهاية المعركة وضمان لهزيمة أعدائه ونصر أوليائه..
وهو وعد قائم في كل معركة يلتقي فيها الكفر بالإيمان. فما يلقى الذين كفروا الذين آمنوا حتى يخافوهم ويتحرك الرعب الملقى من الله في قلوبهم. ولكن المهم أن توجد حقيقة الإيمان في قلوب المؤمنين. حقيقة الشعور بولاية الله وحده والثقة المطلقة بهذه الولاية والتجرد من كل شائبة من شك في أن جند الله هم الغالبون وأن الله غالب على أمره وأن الذين كفروا غير معجزين في الأرض ولا سابقين لله سبحانه! والتعامل مع وعد الله هذا مهما تكن ظواهر الأمور تخالفه فوعد الله أصدق مما تراه عيون البشر وتقدره عقولهم!
إنه الرعب لأن قلوبهم خاوية من السند الصحيح. لأنهم لا يستندون إلى قوة ولا إلى ذي قوة. إنهم أشركوا بالله آلهة لا سلطان لها لأن الله لم يمنحها سلطاناً.
والتعبير: {ما لم ينزل به سلطاناً} ذو معنى عميق وهو يصادفنا في القرآن كثيراً. مرة توصف به الآلهة المدعاة، ومرة توصف به العقائد الزائفة.. وهو يشير إلى حقيقة أساسية عميقة:
إن أية فكرة أو عقيدة أو شخصية أو منظمة.. إنما تحيا وتعمل وتؤثر بمقدار ما تحمل من قوة كامنة وسلطان قاهر. هذه القوة تتوقف على مقدار ما فيها من الحق أي بمقدار ما فيها من توافق مع القاعدة التي أقام الله عليها الكون ومع سنن الله التي تعمل في هذا الكون. وعندئذ يمنحها الله القوة والسلطان الحقيقيين الفاعلين المؤثرين في هذا الوجود. وإلا فهي زائفة باطلة ضعيفة واهية مهما بدا فيها من قوة والتماع وانتفاش!
والمشركون يشركون مع الله آلهة أخرى- في صور شتى- ويقوم الشرك ابتداء على إعطاء غير الله- سبحانه- شيئاً ما من خصائص الألوهية ومظاهرها وفي مقدمة هذه الخصائص حق التشريع للعباد في شؤون حياتهم كلها؛ وحق وضع القيم التي يتحاكم إليها العباد في سلوكهم وفي مجتمعاتهم؛ وحق الاستعلاء على العباد وإلزامهم بالطاعة لتلك التشريعات والاعتبار لهذه القيم.
ثم تأتي مسألة العبادة الشعائرية ضمن إعطاء هذه الخصائص لغير الله سبحانه وواحدة منها!
فماذا تحمل هذه الآلهة من الحق الذي أقام الله عليه الكون؟ إن الله الواحد خلق هذا الكون لينتسب إلى خالقه الواحد؛ وخلق هذه الخلائق لتقر له بالعبودية وحده بلا شريك؛ ولتتلقى منه الشريعة والقيم بلا منازع؛ ولتعبده وحده حق عبادته بلا أنداد.. فكل ما يخرج على قاعدة التوحيد في معناها الشامل فهو زائف باطل مناقض للحق الكامن في بنية الكون. ومن ثم فهو واهٍ هزيل لا يحمل قوة ولا سلطاناً ولا يملك أن يؤثر في مجرى الحياة؛ بل لا يملك عناصر الحياة ولا حق الحياة!